مسؤولة الإعلام بالأونروا: الصراع في غزة يخلّف دمارا وتهجيرا وحزنا غير مسبوق
خلّف الصراع الكارثي في غزة تأثيرا "غير مسبوق" على وكالة الأونروا، التي يعمل موظفوها تحت نيران القصف العنيف بينما ينتابهم الحزن والألم على فقدان زملائهم
في حوار مع أخبار الأمم المتحدة، سلّطت جولييت توما، مديرة التواصل والإعلام بالأونروا الضوء على المعاناة الهائلة التي يمر بها الزملاء في وكالة الأونروا- الذين أصبح الكثيرون منهم نازحين- في سبيل خدمة مجتمعهم.
قتل 135 من موظفي الأونروا في غزة منذ تصاعد القتال الذي أعقب الهجمات التي شنتها حركة حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وهذا أكبر عدد من موظفي الأمم المتحدة الذين يقتلون خلال دورة واحدة من الصراع.
ولكن على الرغم من الخطر الجسيم وظروف العمل الصعبة للغاية، فإن الأونروا مستمرة في مساعدة الناس المحاصرين في القتال. وقد باتت المهمة التي يؤدونها أكثر مشقة مع نزوح نحو مليوني شخص في جميع أنحاء القطاع، واضطرار الكثير منهم إلى التنقل مرارا وتكرارا بحثا عن الأمان.
تحدثت جولييت توما أيضا عن تأثير المعلومات المضللة على عمل الأونروا، وكيف تتعامل الوكالة مع فقدان الكثير من الزملاء.
جولييت توما: إنها حرب وحشية للغاية. عندما كنت في غزة قبل بضعة أسابيع، كنت أسمع صوت القصف ليلا ونهارا، ولم يكن بوسعي سوى التساؤل كيف سيكون الأمر لو كنت أمّا في غزة تحاول أن تطمئن أطفالها كي يناموا كل ليلة.
كل هذا غير مسبوق: حجم الدمار ومستواه، وتهجير الناس، والحزن الذي سببه ذلك بسبب فقدان زملائنا في الوكالة والهجمات التي تعرضت لها منشآتنا، وحقيقة أن كل هذا حدث في غضون سبعة أسابيع. إنه شيء لم أره طوال 20 عاما من الخدمة في الأمم المتحدة.
وهناك أيضا الحصار المحكم المفروض على قطاع غزة منذ سبعة أسابيع، مما يحد من قدرة الأمم المتحدة والمجتمع الإنساني على إدخال الإمدادات مثل الغذاء والماء والوقود.
وهناك الآن أكثر من 1.4 مليون شخص يبحثون عن مأوى في ملاجئ الأونروا. أصبح موظفونا أنفسهم نازحين، لكنهم يبذلون قصارى جهدهم لمساعدة أهاليهم في غزة.
وفي الوقت نفسه، تعرضنا لحملة تضليل انتشرت كالنار في الهشيم منذ بداية هذا الصراع، حيث انتشرت الهجمات السيبرانية على موقعنا الإلكتروني وموقع التبرعات الخاص بنا وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
أخبار الأمم المتحدة: هل يمكنك مشاركة بعض الأمثلة على حملة التضليل هذه؟
جولييت توما: تعرضنا لهجمات بشأن طريقة التدريس، وما نُعلّمه في مدارسنا. نحن الوكالة الوحيدة التابعة للأمم المتحدة التي تدير المدارس، ونقوم بتشغيل 700 مدرسة في جميع أنحاء المنطقة.
نستخدم الكتب المدرسية التي توفرها الحكومات المضيفة في مناطق عملياتنا الخمس (غزة والضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، والأردن، ولبنان وسوريا)، ولكن لدينا نظام تدقيق صارم للغاية ينظر في محتوى تلك الكتب، ونقوم بتدريب معلمينا طوال الوقت على كيفية تدريس المحتوى في تلك الكتب.
يتم تدريب معلمينا على توفير التعليم بطريقة تساعد الأطفال على اتباع قيم الأمم المتحدة- بما في ذلك السلام والتسامح وعدم الكراهية ونبذ العنصرية. وتتعلق الاتهامات الأخرى بادعاءات تورط موظفينا في القتال، وانتمائهم السياسي لجماعات مسلحة معينة في غزة.
تعمل حملات التضليل هذه على إضعاف جهود أكبر منظمة إنسانية تعمل حاليا في قطاع غزة، وتلبي احتياجات ما لا يقل عن 1.4 مليون شخص يقيمون في ملاجئنا.
أخبار الأمم المتحدة: على الرغم من أن وكالتكم خضعت لمزيد من التدقيق منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، إلا أنها موجودة منذ بزوغ فجر الأمم المتحدة.
جولييت توما: نعم، نحن إحدى أقدم وكالات الأمم المتحدة، والأكبر في غزة، حيث نعمل منذ سبعة عقود. توفير التعليم هو أحد أكبر برامجنا، ولكن للأسف، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، اضطررنا إلى إغلاق جميع مدارسنا، وتحويل العديد منها إلى ملاجئ.
نقدم الرعاية الصحية الأولية لأكثر من مليون شخص، والمساعدات الغذائية لأكثر من 1.2 مليون شخص. كما نقدم أيضا المساعدة النقدية وبعض برامج النقد مقابل العمل للعائلات المحتاجة.
تنظر المجتمعات في قطاع غزة إلى الأونروا باعتبارها كيانا موثوقا به، ولهذا السبب يأتون إلى ملاجئنا بحثا عن الحماية والأمان. إنهم يثقون في علم الأمم المتحدة الأزرق لحمايتهم.
أخبار الأمم المتحدة: تضرر أكثر من 100 مرفق للأونروا منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وقُتل أكثر من 135 من زملائكم. كيف تستمر الوكالة في ظل هذه الظروف؟
جولييت توما: لدينا فريق من الأبطال في غزة. يعمل موظفونا بصورة يومية على الخطوط الأمامية، ويقدمون المساعدة، ويستمعون، ويقدمون المشورة. إنهم يقومون بأشياء أخرى قد تبدو بسيطة للغاية، ولكنها في سياق الحرب تعتبر منقذة للحياة تماما، مثل جمع القمامة التي بدأت تتراكم.
وقد نزح حوالي 70 في المائة منهم. فقدوا زملاءهم وجيرانهم وأفراد أسرهم ومنازلهم، ومع ذلك لا يزال الآلاف منهم يرتدون سترة الأمم المتحدة كل صباح. أعتقد أن هذا دليل على الإحساس القوي بالانتماء للمجتمع الذي اشتهرت به غزة منذ عقود عديدة، والمجتمع الذي عانى من حصار محكم دام 15 عاما، إلى جانب دورات متكررة من الصراع.
لدينا فريق قوي للغاية من المهنيين، ذوي الخبرة العالية في النزاعات والكوارث الطبيعية والعمل الإنساني. ولكن على الرغم من هذه الخبرة الواسعة، فإننا جميعا نقول إن الوضع الحالي لا يماثله أي شيء رأيناه من قبل.
ولذلك، ينصب تركيزنا الآن على دعم الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إلينا على الأرض في غزة، وجلب المساعدات الإنسانية، وسرد قصة ما يحدث، والدعوة إلى إنهاء هذه الحرب.