في آخر حوار قبل مغادرة منصبه، منسق عملية السلام يحذر من تقويض إنشاء الدولة الفلسطينية
حذر تور وينسلاند المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط من محاولات تقويض هياكل إنشاء الدولة الفلسطينية
ومن عواقب استمرار الوضع الراهن على المنطقة بأسرها. وأكد وجود إجماع على حل الدولتين (إسرائيل وفلسطين)، ودعا المجتمع الدولي إلى تولي زمام المبادرة في رسم طريق للخروج من الصراع.
في حوار مع أخبار الأمم المتحدة قبيل مغادرته منصبه في أوائل كانون الأول/ديسمبر قال تور وينسلاند إن أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وما تبعها، كانت أكبر اختبار تتعرض له الأمم المتحدة في ملف الشرق الأوسط. وأضاف أن تلك الأحداث أحدثت تخبطا سواء لدى الأطراف نفسها أو القوى الإقليمية والدولية.
الدبلوماسي المخضرم، الذي بدأ تعامله مع قضايا الشرق الأوسط بشكل مباشر في بلده النرويج مع العملية التي أدت إلى اتفاقيات أوسلو، حذر من عواقب غياب حل للصراع على الشباب الفلسطينيين "الذين قد يجدون سبيلا آخر للتعبير عن إحباطهم".
وشدد المسؤول الأممي على الحاجة لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن واستعادة السلامة والأمن لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين، باعتبار ذلك خطوات ضرورية باتجاه الحل الدائم. وأكد ضرورة أن يعمل المجتمع الدولي والشركاء الإقليميون معا لوضع إطار عمل ورسم الطريق إلى الأمام، قائلا إن استمرار الوضع الحالي يهدد استقرار المنطقة وسيخلف آثارا على مختلف أنحاء العالم.
فيما يلي نص الحوار مع تور وينسلاند المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط.
أخبار الأمم المتحدة: توليت منصبك منذ عام 2021، بالتأكيد الدبلوماسية ليست مهمة سهلة على الإطلاق، خاصة في الوقت الحالي. لقد طلبت عدم تجديد فترة ولايتك، هل يمكن أن تشارك معنا السبب وراء ذلك؟
تور وينسلاند: نعم، السبب بسيط للغاية. لقد استنفدت صبر عائلتي معي على مدى ما يتراوح بين 15 و20 عاما، وأنا أعمل على هذا الملف. وفي مرحلة معينة يجب على المرء أن يتخذ قرارا بشأن المدة التي يجب أن يواصل فيها العمل.
منذ أن بدأت حياتي المهنية الدبلوماسية لم أستمر في مكان واحد لأكثر من أربع سنوات، وكان آخر مكان قضيت فيه 4 سنوات في مكان واحد هو القدس قبل فترة من الوقت. والآن مرت أيضا أربع سنوات وأنا في منصبي.
أخبار الأمم المتحدة: كيف تصف العام المنصرم منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بالنسبة لعمل الأمم المتحدة من أجل السلام، خاصة وأنك تتمتع بخبرة طويلة في الشرق الأوسط بدأت في بلدك، النرويج؟
تور وينسلاند: خلال كل ما قمنا به من قبل في ظل ظروف مختلفة - وأنا أعمل على هذا الملف منذ توقيع اتفاقية أوسلو الثانية - واجهنا خلاله صعوبات. لقد مررنا بأوقات عصيبة، لكن هذه المرة كان الأمر أشبه بانهيار جليدي ضرب الجميع على حين غرة. حدث ذلك في وقت لم توجد فيه ديناميكية واضحة على الإطلاق من الناحية السياسية حول هذه القضية. لذلك وصلنا بسرعة كبيرة إلى نقطة تصاعدت فيها أحداث الصراع المسلح بشكل فوري. وفي الواقع في الضفة الغربية أيضا كان هذا الاتجاه مستمرا لفترة من الوقت. أعتقد، بصراحة، أن الجميع كان يتخبط. لم تكن الرؤية واضحة لدى أي جهة بشأن كيفية التعامل مع الوضع، سواء كانت الأطراف نفسها أو الجهات الإقليمية، وكذلك الأمم المتحدة.
كان هذا أكبر اختبار تتعرض له الأمم المتحدة في هذا الملف على الإطلاق. لذلك كنا بحاجة إلى تعزيز قدرتنا وتحديد ما يجب القيام به ومعرفة كيفية المضي قدما. أؤكد لكم، أن الكثير من الجهد قد حُشد لوقف هذه الحرب على مدى الأشهر الأربعة عشر الماضية لكن دون تحقيق أي نجاح. نحن في مرحلة فشلت فيها الدبلوماسية في حل الوضع في ظل الصعوبة البالغة للوضع الجيوسياسي. وقد انعكس ذلك أيضا على عمل مجلس الأمن، ووضع بالتأكيد قيودا كبيرة على الأمم المتحدة وقدرتها على القيام بعملها على أرض الواقع.
أخبار الأمم المتحدة: في ظل هذا الوضع هل تعتقد أن إحياء عملية السلام، بما في ذلك حل الدولتين، لا يزال أمرا ممكنا؟
تور وينسلاند: بالتأكيد. ولا يوجد أحد - وقد قمت بجهود تواصل كبيرة في وظيفتي - لا يوجد أحد يُعرّف هذه العملية (عملية السلام) بشكل مختلف إلا من يرغبون في القضاء عليها وهو أمر يحدث بينما نتحدث هنا الآن. أكثر ما يقلقني هو أننا نفقد المعايير التي كنا نعمل بموجبها منذ عامي 1967 و1973، مع قرارات مجلس الأمن. هناك الآن سعي لتفكيك الهياكل المؤسسية لما كانت ستصبح دولة فلسطينية. وهذا يحدث بسرعة وسعي لم أرهما من قبل.
سيمثل ذلك تحديا، إذا نجحت هذه القوى التي ترغب في تقويض حل الدولتين. إن منظومة الأمم المتحدة تكافح الآثار المنهجية التي تواجهها الوكالات والأمم المتحدة ككل، وهذا أمر صعب للغاية، ولكن ينبغي ألا ننسى أن هذا الوضع في الواقع يقوض قدرة الفلسطينيين على أن يعززوا إمكانياتهم - بدعم من المجتمع الدولي - من أجل إدارة فلسطين.
من يعانون من هذا الوضع هم السكان الفلسطينيون. ويمكنني أن أؤكد لكم أن غزة بمثابة كابوس مطلق. إن الذهاب إلى هناك ومشاهدة ما يتعرض له السكان أمر صعب للغاية. هناك أيضا عامل خوف واضح جدا في الضفة الغربية، لأنهم يرون أن هياكل (إنشاء الدولة) تنهار.
أخبار الأمم المتحدة: تقول إن هذه القوى - التي يبدو أنها مؤثرة - تقوض إنشاء الدولة الفلسطينية وحل الدولتين، ما الذي يمكن القيام به الآن من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتغيير هذا الوضع الصعب؟
تور وينسلاند: لا يوجد حل سريع لهذا الأمر، ولكن يجب أن يكون هناك تصميم وسعي للقيام بذلك. لدي قنوات حوار وثيقة للغاية مع دول المنطقة. هذه الدول هي أكثر من سيستفيد من حالة الاستقرار الإقليمي، بالإضافة إلى كل من الإسرائيليين والفلسطينيين العاديين. ينبغي ألا ننسى أن إسرائيل تنهار نتيجة لذلك الوضع. الاقتصاد الإسرائيلي يتدهور وهناك توترات في إسرائيل لم يسبق لي أن رأيتها طوال فترة عملي في المنطقة، وهي توترات تتكشف أمام أعيننا.
النظام بأكمله، في كل من فلسطين وإسرائيل، غير متوازن. وستتطلب إعادة ضبطه بذل جهود كبيرة. ويتعين علينا التمسك بشيئين. أولا، نحتاج إلى التمسك بالمبادئ الدولية المعتادة والقانون الدولي وألا نتخلى عن ذلك للحظة واحدة كيلا نتنازل عنه بطريقة يمكن استخدامها سلبا في أماكن أخرى.
ثانيا، علينا أن نقدم كل ما تستطيعه الأمم المتحدة من دعم إنساني للناس العاديين على الأرض. ونحن نفعل ذلك في ظل قيود هائلة ومخاطر كبيرة يعرض موظفو الأمم المتحدة أنفسهم لها. هناك خسائر فادحة بين موظفي الأمم المتحدة. ثم نحتاج إلى إعادة تعبئة كل ما يمكننا القيام به لمعالجة القضايا السياسية بالتحرك إلى الأمام.
أخبار الأمم المتحدة: قلت لمجلس الأمن إن آثار الأحداث الراهنة ستمتد لأجيال وستشكل المنطقة بطرق لا يمكننا فهمها بالكامل. ما هي أكبر العواقب التي تثير قلقك؟
تور وينسلاند: غالبية السكان الفلسطينيين من الشباب. إذا لم نتمكن من تقديم أي مخرج من هذا الوضع، فسيبدأ الآخرون تجنيد الشباب. ويجب ألا ننسى أن أزمة كهذه، إذا استمرت، ستكون لها آثار سلبية واسعة على كل المجالات في البلدان المجاورة وفي المنطقة بشكل خاص، ولكن أيضا في أماكن أخرى، لأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو أمر ينعكس عالميا في شوارع العواصم الأوروبية وفي الولايات المتحدة وأستراليا وبالتأكيد في المنطقة. نحن نقامر مع جيل شاب يمكنه - بسبب غياب آفاق الحل - إيجاد طرق أخرى للتنفيس عن إحباطه. هذا أمر خطير للغاية على الجميع.
أخبار الأمم المتحدة: سأقتبس شيئا آخر ذكرته لمجلس الأمن. قلت إنه إذا لم تتمكن الأطراف من إيجاد طريقة للخروج من الحرب، فيجب على المجتمع الدولي تحديد المسار إلى الأمام. كيف ترى هذا الأمر الآن مع التطورات والتغيرات في مختلف أنحاء العالم ومع وجود حكومات وإدارات جديدة؟
تور وينسلاند: ما قلته هو أن بعض المبادئ الأساسية التي كانت تُرشد العمل بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والصراع العربي الإسرائيلي تتعرض الآن للضغط. والمكان الوحيد الذي يمكن فيه إعادة رسم الطريق إلى الأمام للمجتمع الدولي، هو الاستناد إلى القرارات المتخذة من مجلس الأمن.
يمكن عقد الندوات والمؤتمرات في كل مكان، ولكننا نحتاج إلى ترسيخ ذلك. نحن بحاجة إلى ترسيخ أي مسار يتجه إلى الأمام بقرارات من مجلس الأمن، وأعتقد أنه ليس لدينا أي وقت لنضيعه. يجب أن يكون هناك دفع حاسم لأن المعايير تتعرض للضغط.
أخبار الأمم المتحدة: ولكن ما الذي سيشجع الدول ذات النفوذ على الدفع؟ لأن مجلس الأمن منقسم، كما نعلم جميعا، منذ أكثر من عام الآن.
تور وينسلاند: مجلس الأمن غير منقسم حول مسألة حل الدولتين. لم يكن منقسما في أي من الاجتماعات الخمسين أو الستين التي شاركت فيها خلال فترة منصبي. هذا المبدأ لا يزال قائما. هناك إجماع دولي واسع حول هذه المبادئ، وإنْ كانت هذه المبادئ يتم تقويضها. نحن بحاجة إلى النظر إلى هذا الواقع بشكل مباشر للغاية. عندما اتخذ المجلس قراره السياسي الأخير رقم 2334 منذ ثماني سنوات قبل عيد الميلاد، كان الوضع في غزة مختلفا تماما. إن مجلس الأمن لم يعالج التغيير في الوضع في غزة على النحو المناسب، من أجل معالجة قضايا الأرض والحدود والاحتلال. لم يتخذ المجلس أبدا موقفا بشأن ذلك.
ليس من الصعب تطبيق نفس المبادئ التي كنا نتمسك بها، سواء في قرارات مجلس الأمن أو في الاتفاقات التي تمت صياغتها بعد اتفاقيات أوسلو. يجب إعادة تطبيق هذه المبادئ وأن يكون هناك هيكل حكم فلسطيني إذا أردنا الوصول إلى إنشاء دولة فلسطينية.
أخبار الأمم المتحدة: بعض المؤيدين للجانبين، الإسرائيليين والفلسطينيين، يرون أن الأمم المتحدة لا تفعل ما يكفي، خاصة على الجانب السياسي. ماذا تريد أن توضح لهم عن عمل الأمم المتحدة ودورك وعملك؟
تور وينسلاند: كما قلت في البداية، لم يسبق أن شوهد حجم هذا الصراع من قبل وبالتأكيد لم نشهده بعد إنشاء دولة إسرائيل. لم نشهد أبدا صراعا استمر لمدة 14 شهرا. لم نواجه أبدا أي صراع بهذه الشدة وما نراه من خسائر ودمار. بالتأكيد، بذلنا الكثير من الجهود وعملنا على محاولة تجنب التصعيد الذي نشهده الآن في لبنان وأماكن أخرى في المنطقة. في الأسبوع الأول من هذا الصراع، كان هذا هو تركيزي.
ثم تعلق الأمر بإيجاد طريقة للخروج من ذلك الوضع والمضي قدما في نفس الوقت الذي تجري فيه حرب ضارية. كان يتعين الوصول إلى وقت يمكن فيه التفكير بوضوح في كيفية الخروج من هذا الوضع. هذه هي المرحلة التي نقترب منها الآن. لم نتمكن من إنجاز ذلك في نوفمبر حين كنا مستعدين لأن نكون جزءا من جهود إجلاء الرهائن. لم نتمكن من القيام بذلك مع استمرار الحرب ودفع الناس على النزوح في مختلف أرجاء غزة. ولكننا نصل إلى هذه المرحلة الآن.
نحتاج دائما إلى الخروج من الصراع عبر الدبلوماسية وصنع القرار، بشكل يدفعنا إلى الأمام. بالطبع نحن بحاجة إلى وقف دائم لإطلاق النار وإلى إخراج الرهائن، ونحن بحاجة إلى تحقيق الأمان للفلسطينيين والإسرائيليين لأن الوضع مروع. لقد كنت في غزة أثناء فترة الهدوء المؤقت خلال حملة التطعيم ضد شلل الأطفال التي شاركت فيها الأمم المتحدة. هذه الفترة منحت وقتا قصيرا جدا لالتقاط الأنفاس للأشخاص الذين تعرضوا لصدمات نفسية شديدة. يجب ألا ننسى أبدا أن مجرد وقف هذه الحرب، هو أمر مهم للغاية. لكننا لن نتمكن أبدا من تحقيق الهدوء والسلام المستدامين اللازمين لبحث التفاصيل المتعلقة بالحل، إذا لم يكن لدينا وقف لإطلاق النار. بعد ذلك سنحتاج إلى حشد جهود المجتمع الدولي والشركاء الإقليميين لتعزيز هذا الإطار وهذا الجهد.
أخبار الأمم المتحدة: فهمت منك أن هناك بعض التقدم الذي يتم إحرازه، هل هذا صحيح؟
تور وينسلاند: لن أخوض في تفاصيل ما يجري أو ما لا يحدث. كنت أود لو كانت الفرصة قد أتيحت لنا في وقت مبكر لمعالجة بعض المبادئ الأساسية وبحث سبل المضي قدما، ولكن لم يكن ذلك ممكنا. عندما يعمل المرء في المجال الدبلوماسي، يكون عليه التحلي بالصبر لانتظار قدوم الوقت المناسب. ونحن نقترب من ذلك الوقت، لكن علينا استخدامه بذكاء وسرعة كيلا نخاطر بانزلاق (الفرصة) من بين أصابعنا.
أخبار الأمم المتحدة: قبل ترك منصبك، ما هي النصيحة التي تسديها للإسرائيليين والفلسطينيين لأهم شيء يجب عليهم القيام به لضمان سلامهم وأمنهم؟
تور وينسلاند: لا أعرف حقا ماذا أقول. الجميع على الأرض تعرضوا لصدمات شديدة، وسيستغرق الأمر سنوات، إن أمكن، للتعامل مع ما تعرضوا له. وهذا هو السبب في أنني أقول إن المجتمع الدولي يجب أن يأخذ زمام المبادرة لأننا لسنا من تَعرض للصدمات. يجب أن نأخذ خطوة جانبا ونتفهم ما يجري ونحاول صياغة شيء يمكن للأطراف قبوله بطريقة أو بأخرى، وستظل التنازلات دائما رمادية.