تحذير من ضياع جيل في غزة، وحرب صامتة تغلي في الضفة الغربية.. حوار خاص مع المفوض العام للأونروا
حذر المفوض العام لوكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا)، فيليب لازاريني من أن ما يحدث في غزة هو وضع يتم فيه تجاهل القانون الدولي الإنساني
كما نبه من "الحرب الصامتة التي تغلي" في الضفة الغربية.
وفي حوار خاص مع أخبار الأمم المتحدة، أشار لازاريني إلى وجود "أكثر من 600 ألف فتاة وفتى يعيشون بين الركام ويعانون من صدمة عميقة في قطاع غزة". وقال: "كلما انتظرنا لإعادتهم إلى بيئة التعلم، كلما خاطرنا بضياع جيل كامل، وكلما خاطرنا بزرع بذور المزيد من الكراهية والاستياء والتطرف".
وأضاف المسؤول الأممي أنه لأمر مخزٍ أن يتفشى شلل الأطفال في غزة. لكنه أشاد بنجاح حملة التطعيم واسعة النطاق ضد المرض في القطاع لحماية أكثر من 640 ألف طفل تحت سن العاشرة.
وعن التصعيد على جانبي الخط الأزرق الفاصل بين لبنان وإسرائيل، قال لازاريني إن هذا امتداد لما يحدث في غزة والضفة الغربية، مضيفا "يبدو أن أسوأ المخاوف تتكشف في الوقت الحالي".
فيما يلي نص مع المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني.
أخبار الأمم المتحدة: السيد فيليب لازاريني، المفوض العام للأونروا، شكرا لوجودك معنا اليوم ضيفا على أخبار الأمم المتحدة. في البداية، كيف تعلق على الاستهداف المستمر للمدارس والبنية التحتية المدنية في غزة؟
فيليب لازاريني: أولا، أشكركم على استضافتي. لقد ذكرتم استهداف المدارس. في الواقع، كان هناك استهداف للعاملين في المجال الإنساني، وقُتل أكثر من 220 موظفا من الأونروا منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. أكثر من 70 في المائة من منشآتنا تضررت أو دُمِرت بالكامل. وعلى أساس يومي أو أسبوعي على الأقل، هناك قوافل تتم إعاقتها واستهدافها على الرغم من التنسيق مع كلا الطرفين في الصراع.
إنها ليست مجرد عملية استهداف على الأرض، فهناك أيضا هجمات سياسية ضد الوكالة، وضد الأمم المتحدة. وفي الأساس، نحن في وضع يتم فيه تجاهل القانون الدولي الإنساني بشكل صارخ على أساس يومي.
وعندما يتعلق الأمر بمنظمة إنسانية، لدينا موظفون ومبان وعمليات يتم تجاهلهم باستمرار أيضا.
أخبار الأمم المتحدة: قلت في قـمة المستقبل، "إن استثمارنا الذي دام عقودا من الزمن في مستقبل اللاجئين الفلسطينيين معرض للخطر". هل يمكنك أن تخبرنا بالمزيد عن هذا الأمر؟
فيليب لازاريني: كما تعلمون، فإن الأونروا هي وكالة استثمرت في التنمية البشرية وكذلك في تعليم ملايين الأطفال على مدى عقود من الزمن. لدينا اليوم أكثر من 600 ألف فتاة وفتى يعيشون بين الركام ويعانون من صدمة عميقة في قطاع غزة.
وكلما انتظرنا لإعادتهم إلى بيئة التعلم، كلما خاطرنا بضياع جيل كامل، وكلما خاطرنا بنثر بذور المزيد من الكراهية والاستياء والتطرف.
أخبار الأمم المتحدة: في حديثك عن التعليم، قلت أيضا، "إن نتائج التعليم للأونروا من بين الأفضل في المنطقة وبأقل تكلفة لكل طالب". ما هي تداعيات هذه الحرب على التعليم في غزة وعلى الأجيال القادمة هناك؟
فيليب لازاريني: أعتقد أن العواقب والمخاطر التي نواجهها هي ضياع جيل. لكنني سلطت الضوء أيضا على حقيقة مفادها أن التعليم كان حتى الآن كل شيء بالنسبة للفلسطينيين. فقد تم تجريدهم من أراضيهم ونقلهم بعيدا عن القرى. ولكن الأصل الذي استثمروا فيه كان التعليم. واليوم حتى تعليم اللاجئين الفلسطينيين أصبح في خطر.
أخبار الأمم المتحدة: إلى أي مدى سيكون من الصعب إعادة بناء المدارس والتعليم في غزة بمجرد توقف الحرب أو التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار؟
فيليب لازاريني: أولا وقبل كل شيء، يتعين علينا أن نجعل التعليم أولويتنا الجماعية المشتركة. وهذا شيء لا يمكن أن ينتظر. أعلم أن هناك نقاشا حول إعادة إعمار غزة. ولكي يحدث هذا، نحتاج إلى حل سياسي محدد زمنيا يلتزم به الجميع.
ولكن في الوقت نفسه، فإن المساهمة التي يمكن أن تقدمها الأونروا للفلسطينيين في غزة هي التعليم. لا يوجد بديل للوكالة سوى وجود إدارة عاملة أو دولة عاملة. وإذا أردنا لأي انتقال أن يكون ناجحا في غزة، فإننا بحاجة إلى وكالة مثل الأونروا لتقديم خبراتها الأساسية في مجال التعليم.
أخبار الأمم المتحدة: بالحديث عن الأجيال القادمة. كانت هناك حملة واسعة النطاق للتطعيم ضد شلل الأطفال. فهل حققت الأونروا وشركاء الأمم المتحدة هدفهم المتمثل في تطعيم 90 في المائة من الأطفال دون سن العاشرة؟
فيليب لازاريني: أولا وقبل كل شيء، إنه لأمر مخزٍ تماما أن يتفشي شلل الأطفال في غزة. كما تعلمون، تم القضاء على شلل الأطفال في القطاع منذ أكثر من 25 عاما، وفجأة عاد بعد عشرة أشهر من الحرب.
ويرجع هذا في المقام الأول أيضا إلى الحالة الصحية المروعة التي يعيشها الناس. والآن، كانت حملة شلل الأطفال ناجحة في غزة. وأظهرت كذلك أنه إذا كانت هناك إرادة لتحقيق الأشياء، فيمكننا القيام بذلك.
لقد تمكنا بالفعل، في غضون أسبوع، من الوصول إلى 90 في المائة من الأطفال دون سن العاشرة. وآمل أن نكون ناجحين بنفس القدر في المرحلة الثانية من الحملة، والتي من المقرر أن تبدأ في غضون أسابيع قليلة.
وتم كل هذا بالشراكة مع وزارة الصحة الفلسطينية التي كانت شريكة مثل اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية.
أخبار الأمم المتحدة: إذا ناقشنا الوضع في الضفة الغربية، ما هي التحديات الرئيسية التي تواجه الأونروا، مع استمرار العنف هناك؟
فيليب لازاريني: إذا لم يوجد هذا الوضع في غزة، لكانت الضفة الغربية بالتأكيد في مركز اهتمامنا. هناك نوع من الحرب الصامتة التي تغلي هناك. اليوم، أي عملية أمنية تنتهي بتدمير واسع النطاق للبنية التحتية العامة. وفي الأساس هذا نوع من العقاب الجماعي المفروض على السكان بالكامل.
الآن، البيئة هي بيئة من العنف، ليس فقط بسبب الاشتباكات بين الجماعات المسلحة والقوات الإسرائيلية، ولكن أيضا العنف الذي يفرضه المستوطنون الذين لا يتحملون المسؤولية عن أفعالهم. في هذه البيئة، نجحنا في الحفاظ على عمل مدارسنا، وتمكنا من إبقاء مراكزنا الصحية مفتوحة.
ولكن كلما كانت هناك عملية أمنية كبيرة تجري، فإنك تجد قرى أو مخيمات بأكملها مغلقة تماما. وفي ظل هذا الوضع، من المستحيل إبقاء المدارس مفتوحة.
أخبار الأمم المتحدة: هناك حالة عنف أخرى تحدث عبر الخط الأزرق الفاصل بين لبنان وإسرائيل، والتي تصاعدت في الأيام القليلة الماضية. ما تعليقك على ذلك التصعيد؟
فيليب لازاريني: هذا امتداد لما حدث في غزة، وما يحدث الآن في الضفة الغربية. يبدو أن أسوأ المخاوف تتكشف في الوقت الحالي. لقد شهدنا تسارعا خلال الأسبوع الماضي. سمعنا بالأمس عن نزوح جماعي للسكان من الجنوب نحو بيروت. كما سمعنا أن اليومين الماضيين كانا الأكثر دموية منذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان.
وأود أن أكرر هنا ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة للدول الأعضاء ألا تجعلوا من لبنان غزة جديدة. وأعتقد أنه في الوقت الحالي، هذا هو المسار الذي نتجه صوبه إذا لم يتم بذل المزيد من الجهود لمنع حرب كاملة.
أخبار الأمم المتحدة: أنتم هنا في الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهناك موضوع مهم للغاية وهو تمويل الأونروا. هل يمكنك أن تخبرنا بالمزيد عن لقاءاتك مع قادة ومسؤولي الدول الأعضاء والمناقشات حول تمويل الأونروا؟
فيليب لازاريني: كان تمويل الوكالة معاناة على مدى السنوات العشر الماضية. وأصبح الأمر أسوأ على مدى السنوات القليلة الماضية. كنا في أزمة عميقة للغاية في بداية العام، وخاصة في ذلك الوقت عندما كانت هناك مزاعم بأن موظفين من الأونروا ربما شاركوا في الهجوم المروع في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. كان لدينا في ذلك الوقت 16 دولة مانحة كانت ستجمد مساهماتها مؤقتا.
أود أن أقول إنه بفضل القرارات التي اتخذها الأمين العام والوكالة بإجراء مراجعة شاملة لآلية عمل الوكالة، استعدنا ثقة جميع المانحين تقريبا. ولكن من الواضح أن الأونروا تحتاج إلى المزيد من العمل. لم تكن الاحتياجات أبدا كبيرة كما هي اليوم.
وأسمع من العديد من القادة، وهذا أمر مقلق، أن العديد من البلدان ستخضع لميزانيات تقشف اعتبارا من عام 2025، مما يشير إلى أنها قد تضطر إلى خفض المساهمة بشكل كبير في الوقت الذي لم تكن فيه احتياجات اللاجئين الفلسطينيين والفلسطينيين بشكل عام كبيرة كما هي اليوم.
أخبار الأمم المتحدة: أخيرا، ما هي الرسالة التي ترغب في إرسالها لإنهاء الأزمة الإنسانية في غزة والحرب المستمرة هناك والعنف في أماكن أخرى؟
فيليب لازاريني: يجب أن نبدأ بوقف إطلاق النار الذي طال انتظاره. ونحن بحاجة إلى إطلاق سراح الرهائن. ونحن بحاجة إلى زيادة المساعدات الإنسانية بشكل كبير.
ولكن بعد ذلك، نحن نعرف ما هو الحل. نحن نعرف ما يجب أن يكون عليه الحل السياسي. ما نحتاجه هو الإرادة السياسية لتحقيق ذلك.