الضفة الغربية المحتلة: قلق أممي إزاء العمليات العسكرية الإسرائيلية وإدانة لوقوع خسائر في الأرواح
أعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن القلق البالغ بشأن التطورات الأخيرة في الضفة الغربية المحتلة
بما في ذلك قيام إسرائيل اليوم بعمليات عسكرية واسعة النطاق في محافظات جنين وطولكرم وطوباس شملت شن غارات جوية مما أدى إلى وقوع ضحايا وإلحاق ضرر بالبنية التحتية المدنية.
وأدان الأمين العام أنطونيو غوتيريش بشدة وقوع خسائر في الأرواح، بما في ذلك بين الأطفال. ودعا إلى الوقف الفوري لتلك العمليات. وذكر بيان صادر عن المتحدث باسم الأمم المتحدة أن الأمين العام يدعو إسرائيل إلى الامتثال لالتزاماتها ذات الصلة بموجب القانون الدولي الإنساني واتخاذ تدابير لحماية المدنيين وضمان سلامتهم.
وحث الأمين العام قوات الأمن على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وعدم استخدام القوة المميتة إلا إذا كان لا يمكن تجنبها من أجل حماية الأرواح. وشدد البيان الأممي على ضرورة أن يتمكن جميع الجرحى من الوصول إلى الرعاية الصحية وأن يتمكن عاملو الإغاثة من الوصول إلى جميع المحتاجين للمساعدة.
وقال البيان إن هذه التطورات الخطيرة تشعل الموقف المتفجر بالفعل في الضفة الغربية المحتلة ويزيد تقويض السلطة الفلسطينية.
كما نقل البيان إعراب الأمين العام عن قلقه العميق أيضا بشأن الأفعال والتصريحات الخطيرة والاستفزازية الأخيرة التي أدلى بها وزير إسرائيلي في الأماكن المقدسة في القدس. وشدد الأمين العام على أهمية الحفاظ على الوضع الراهن لتلك الأماكن.
وقال البيان: "في نهاية المطاف فإن إنهاء الاحتلال والعودة إلى العملية السياسية ذات المغزى التي ينتج عنها تحقيق حل الدولتين هما السبيل الوحيد لوضع حد للعنف".
وأضاف أن الأمم المتحدة ستواصل العمل مع جميع الأطراف لتحقيق هذا الهدف والسعي لتهدئة تصعيد الوضع الراهن وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
الوضع في الضفة الغربية يتدهور
من جانبه جدد أجيث سونغاي، مدير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، تحذيره من التصاعد المقلق في استخدام القوة العسكرية من قبل قوات الأمن الإسرائيلية في الضفة الغربية، والهجمات المتكررة التي يشنها المستوطنون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين.
وقد أدان مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الاستجابة العسكرية المتزايدة من قوات الأمن الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، بشكل ينتهك القانون الدولي ويهدد بزيادة إشعال الوضع المتفجر بالفعل.
في حوار مع أخبار الأمم المتحدة، أشار أجيث سونغاي إلى أن الهجمات العسكرية الإسرائيلية أسفرت عن دمار واسع النطاق وخسائر بشرية كبيرة في مخيمات الضفة الغربية، مشيرا إلى أن الفلسطينيين في الضفة الغربية يعيشون في حالة من "الخوف المستمر"، محذرا من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى تصعيد خطير في الصراع، مما يعقد جهود إدارة الأزمة.
أخبار الأمم المتحدة: أدان مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الاستجابة العسكرية المتزايدة من قوات الأمن الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. ما هي الإجراءات التي اتخذتها قوات الأمن الإسرائيلية والتي دفعت إلى هذه الإدانة؟
أجيث سونغاي: مرة أخرى، نحن نمر بمرحلة حرجة للغاية في الضفة الغربية. لقد شهدنا على مدى العام ونصف الماضيين عمليات توغل كبرى في الضفة الغربية، وخاصة جنين ونابلس وطولكرم ونور شمس، حيث استخدمت إسرائيل القوة العسكرية كما لو كان هناك صراع مسلح. ورسالتنا المستمرة التي ظللنا نرسلها هي أنه لا يوجد صراع مسلح في الضفة الغربية. ويجب أن يستند استخدام القوة إلى إطار تنفيذ القانون الدولي - أي إطار قانون حقوق الإنسان.
شهدنا خلال الأيام الماضية قوة هائلة من الجيش الإسرائيلي تدخل إلى هذه المخيمات الثلاثة التي ذكرتها واستخدام القوة النارية كما لو كان هناك صراع مسلح. وقد أوقعت مثل هذه الهجمات وهذه التوغلات خسائر بشرية كبيرة، وتشريد أعداد كبيرة من الناس وتدمير هائل للممتلكات. وقد شهدنا مواقف أصبحت فيها هذه المخيمات غير صالحة للسكن. هذه هي المرة الأولى منذ عقدين التي يهاجم فيها الجيش الإسرائيلي، بصورة متزامنة، هذه المخيمات الثلاثة ويحاصرها بأعداد كبيرة من الجنود. أردنا أن نخرج على الفور ونعرض الحقائق والتحليل القانوني وندين هذه الهجمات.
أخبار الأمم المتحدة: هل يتواصل مكتبكم مع السلطات الإسرائيلية لإثارة المخاوف بشأن هذه الهجمات؟
أجيث سونغاي: ليس لدى مكتبنا في فلسطين أي اتصال مباشر مع الإسرائيليين. ولكن في كل مرة يتم فيها إصدار بيان من (مكتب حقوق الإنسان) في جنيف بشأن هذه القضايا، نشارك هذه البيانات مع السلطات الإسرائيلية للتعليق عليها. علاوة على ذلك، عندما نقوم بصياغة التقارير، فإننا نقدم أيضا مسودات التقارير قبل نشرها للإسرائيليين للتعليق عليها. لقد سجلنا مخاوفنا وقدمنا توصياتنا. الإسرائيليون على دراية تامة بمخاوفنا وتوصياتنا والانتهاكات التي ارتكبت.
أخبار الأمم المتحدة: حذر مكتب حقوق الإنسان من أن الوضع في الضفة الغربية المحتلة قد يتفاقم بشكل كبير إذا استمرت قوات الأمن الإسرائيلية في استخدام القوة المميتة غير القانونية بشكل منهجي وتجاهلت العنف الذي يرتكبه المستوطنون. هل يمكنك التحدث عن ذلك؟
أجيث سونغاي: لسوء الحظ، هذا هو الحال. في كانون الأول/ديسمبر 2023، أصدرنا تقريرا موجزا عن الضفة الغربية، لتنبيه المجتمع الدولي إلى ما يحدث في الضفة الغربية عندما كان الاهتمام كله منصبا على غزة. كنا نعلم، للأسف، أننا قد نصل إلى الوضع الذي نحن فيه اليوم. علاوة على ذلك، ظللنا نحذر باستمرار بشأن الضفة الغربية، بما في ذلك من خلال إحدى المقابلات التي أجريتها مع فريقكم، قلت فيها إن ما نراه في غزة قد يحدث في أجزاء من الضفة الغربية.
وإذا نظرت إلى بعض هذه المخيمات – التي زرتها خلال الأشهر الماضية –فقد تم تدمير العديد منها على نطاق واسع. لقد حذرنا والآن نرى أن (ما حذرنا منه) يتحقق.
أخبار الأمم المتحدة: وفقا لمكتبكم، هجمات المستوطنين على المجتمعات الفلسطينية مستمرة منذ سنوات في أراضيهم وممتلكاتهم، مع الإفلات من العقاب. ما هي التدابير التي يوصي بها مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لمعالجة العنف المتصاعد وانتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية؟
أجيث سونغاي: علينا أن ننظر إلى الأسباب الجذرية لهذه الانتهاكات وهذا العنف. التوسع المستمر للمستوطنات، ووجود المستوطنات يشكلان مشكلة. فهي غير قانونية وفقا للقانون الدولي، وقد تم توضيح ذلك بوضوح شديد، بما في ذلك من قبل مـحكمة العدل الدولية مؤخرا.
ما دامت هذه المستوطنات باقية هناك، وليس مجرد بقائها، فإن بعض الحالات تتزايد وتتوسع، ويتم تسليح المستوطنين. أعطت الحكومة الإسرائيلية الأسلحة لبعض هؤلاء المستوطنين. سوف تستمر هذه الانتهاكات.
الجزء الثاني من ذلك هو أنه لا توجد مساءلة عندما ترتكب الانتهاكات. لقد رأينا هذا على مدى السنوات العشرين الماضية منذ أن بدأ المكتب يراقب ويقدم تقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية وغزة. بالكاد تحدث أي اعتقالات أو محاكمات للجناة.
على سبيل المثال، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وقعت العديد من الهجمات التي شنها المستوطنون في الضفة الغربية، ولم يتم توجيه اتهامات لأي شخص. يتم الإعلان عن إجراء تحقيقات، ولكننا لا نرى الكثير (من النتائج) على الإطلاق. سوف نشهد، للأسف، استمرار عنف المستوطنين طالما لم يتم اتخاذ إجراءات مناسبة لسحب المستوطنات، ووقف التوسع، واتخاذ بعض الإجراءات الجادة هناك، ثم اتخاذ تدابير ملموسة للمساءلة.
أخبار الأمم المتحدة: أثّر عنف المستوطنين على سبل عيش العديد من المزارعين الفلسطينيين. كيف يُترجم ذلك في الحياة اليومية للفلسطينيين؟
أجيث سونغاي: يعيش الناس في خوف. هناك جانب سلحت فيه الحكومة الناس ومكنتهم ويتلقون دعما قويا للغاية من المسؤولين الحكوميين، مما شجع المستوطنين. يتعرض المزارعون الفلسطينيون والرعاة للهجوم بينما هم يمارسون حياتهم اليومية. لذا هناك خوف دائم. هناك أكثر من 1,500 من الرعاة والفلسطينيين الآخرين أجبروا على الخروج من أراضيهم منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر بسبب عنف المستوطنين. لقد رأينا فقط في الأسبوع الماضي أو العشرة أيام الماضية هجوم مجموعة من المستوطنين على قرية جيت، والذي أسفر عن مقتل شخص.
والوضع يزداد خطورة بشكل متزايد. أحد الاختلافات الكبيرة التي رأيناها في عنف المستوطنين مقارنة ببضع سنوات مضت هو أنهم أصبحوا أكثر تنظيما. لديهم مجموعات على تطبيق واتساب، وطرق أخرى للتواصل. لم تعد الحوادث فردية. هناك عدد كبير من المستوطنين الذين يدخلون هذه المجتمعات الفلسطينية، سواء كانت قرى أو مدنا أو مزارع ويهاجمون هؤلاء الرعاة أو المزارعين الفلسطينيين. الجانب الآخر هو أننا نشهد المزيد والمزيد من دعم الجيش الإسرائيلي للمستوطنين.
في بعض الأحيان، لا يمكننا التمييز بين المستوطنين والجيش الإسرائيلي، يرتدى العديد من المستوطنين ملابس الجيش الإسرائيلي. وبما أن الأمر كذلك، فإنهم يتمتعون بقدر كبير من الحماية، سواء من الحكومة أو من الجيش.
أخبار الأمم المتحدة: أثرت عمليات هدم المنازل بصورة كبيرة على الفلسطينيين في الضفة الغربية. هل يمكنك تسلط الضوء على هذا الأمر؟
أجيث سونغاي: بالفعل يحدث ذلك وخاصة في القدس الشرقية، وقد علقنا على هذا الأمر مؤخرا. يصعب جدا على الفلسطينيين الحصول على التصاريح اللازمة (للبناء). وقد ظل الحال على هذا النحو منذ سنوات عديدة.
عاش الفلسطينيون في بعض هذه المنازل لفترات طويلة. رأينا في مرحلة ما أنه لم يحدث أي تقدم فيما يتعلق باللجوء إلى القضاء. لقد لجأ الفلسطينيون إلى المحاكم ولم يحصلوا على قرارات إيجابية.
وبناءً على ذلك، تصرف الإسرائيليون ليس فقط بطردهم من منازلهم، بل وأيضا بتدميرها وهدمها. وينطبق الأمر نفسه على الرعاة في العديد من الأماكن في الخليل، وقد زرت بعض هذه الأماكن حيث طلب مجتمع الرعاة تصاريح للبناء على أرضهم. ولشهور ولسنوات، لم يحصلوا على تصريح، ثم قرروا المضي قدما في البناء. والنتيجة المترتبة على ذلك هي أن الجيش الإسرائيلي يأتي ويدمر هذه المباني في اليوم التالي. لقد استمر هذا الوضع، وتشرد العديد من الناس بسبب تدمير منازلهم.
أخبار الأمم المتحدة: هل لديك كلمة أخيرة؟
أجيث سونغاي: أود أن أحذر مرة أخرى - بالنيابة عن المفوض السامي لحقوق الإنسان، ومكتب حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، وبالأصالة عن نفسي- أن الوضع في الضفة الغربية سوف يتدهور أكثر. علينا أن ننتبه. علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لوقف ما يحدث في الضفة الغربية، وخاصة هذه التوغلات الضخمة من قبل الجيش الإسرائيلي وعنف المستوطنين. وإلا فإن الوضع سوف يتدهور بسرعة، ولن نتمكن من السيطرة عليه.
أود أيضا أن أقول شيئا أخيرا، وهو أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة يكافحان أيضا لإدارة تصعيد واحد، في غزة. وإذا بدأنا نشهد على الجبهة الأخرى، وهي الضفة الغربية، هذه التوغلات الكبرى التي تؤدي إلى قتل الناس وهدم المنازل وربما تهجير الناس، إلى جانب مجموعة أخرى من انتهاكات حقوق الإنسان وقمع حرية التنقل وما إلى ذلك. فسوف يكون من الصعب للغاية على المجتمع الدولي إدارة هذين الجزأين من الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي قد يتصاعد إلى صراع كبير.