بقعة ضوء: خدمات الدعم للنساء الناجيات من العنف في فلسطين
تثير حالات العنف ضد النساء من قبل أزواجهن القلق الكبير، حيث بلغت نسبة العنف في فلسطين حوالي 59 بالمئة.
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، يتضمن هذا العنف كافة أشكال الترهيب والتهديدات بالإيذاء الجسدي وتدمير الممتلكات والعزل والحرمان القسري من الأصدقاء، والعائلة، والمدرسة، والعمل. في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة خلال الحرب المستمرة، تتفاقم صدمة العنف وتصبح الحاجة إلى حزمة خدمات الدعم للناجيات من العنف أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. على الرغم من وجود خدمات الدعم، تختار أكثر من نصف النساء اللواتي يتعرضن للعنف الصمت، سواء بسبب الخوف من العواقب أو عدم التصديق أو الرغبة في حماية الآخرين، مما يؤدي بهن إلى المعاناة بصمت.
قصة زينة*، التي تبلغ من العمر 27 عاما، تؤكد على مدى تأثير حزمة الخدمات على حياة الناجيات من العنف. بعد أن تحملت زينة سنوات من العنف النفسي والجسدي من زوجها ووالديها وإخوتها، سعت إلى المساعدة عن طريق تقديم شكوى إلى وحدة حماية الأسرة والأحداث في الشرطة المدنية الفلسطينية. شكل هذا الإجراء نقطة تحول في حياة زينة حيث مكنها من الدخول إلى شبكة من خدمات الدعم، تشمل الرعاية الصحية والعدالة والشرطة، والخدمات الاجتماعية، المقدمة وفقًا لنظام الإحالة الوطني، والذي غير في نهاية المطاف حياة زينة إلى الأفضل.
توجّهت زينة إلى وزارة التنمية الاجتماعية، حيث التقت بمرشدة حماية المرأة هناك، التي أوصت بأن تلتقي بالمدعي العام والذي من جهته أكد الضرر الذي لحق بصحتها النفسية وصحة أطفالها بسبب الإساءة التي تعرضت لها. بعد ذلك، تم تقييمها من قبل الدكتورة سماح جابر، مديرة خدمات الصحة النفسية في وزارة الصحة. ثم من خلال إرشاد ورعاية الدكتورة سماح بدأت زينة عملية التشافي والتمكين. تقول الدكتورة سماح غالبا ما تتطور الحالات التي مثل حالة زينة بشكل سلبي، ولهذا السبب يعتبر الدعم أمرًا حيويًا جدًا. كما وأوضحت الدكتورة جابر أن هناك حاجة كبيرة للصحة النفسية للناجيات من العنف خاصة إذا كن متزوجات ولديهن أطفالا صغارا حيث إن الصحة النفسية تنعكس بشكل كبير على صحة أطفالهن."
تقول زينة:" في البداية لم أثق بأن هؤلاء الأشخاص يمكنهم حل مشاكلي أو مساعدتي. كانت تجربة صعبة للغاية، حيث رفضت العلاج لأنني كنت خائفة من أن يأخذوا حضانة أطفالي ولم أعتقد أن العلاج يمكن أن يساعد." على الرغم من شكوك زينة الأولية لكن بعد فترة نمت ثقة بينها وبين الدكتورة جابر بسبب اخلاصها وتفانيها في رعايتها. "بعد اللقاء الأولى والثاني، تحسنت الأمور، وشعرت بأنني في مأمن وأكثر راحة وأردت مواصلة العلاج." تلقت زينة الدعم من قبل فريق رعاية متفاني حيث تم تقديم الاستشارة الفردية والدواء والمساعدة القانونية المصممة خصيصًا لاحتياجاتها.
الطريق إلى الشفاء ليست سهلة، بل كانت مليئة بالتحديات وظلت زينة تواجه تهديدات من المعتدين عليها. ردا على ذلك، انتقلت زينة وأطفالها إلى بيت أمان سري، حيث تلقوا الدعم بشكل مستمر من الدكتورة جابر والعاملات الاجتماعيات والمرشدات القانونيات.
بفضل فريق الرعاية المساند، استعادت زينة حضانة أطفالها، وحصلت على الطلاق من زوجها، وسعت نحو تحقيق حلمها في الحصول على درجة جامعية. إن دعم الفريق المستمر، بما في ذلك الاطلاع المنتظم وجلسات الارشاد، ساعدت زينة في إعادة بناء حياتها وإصلاح علاقاتها مع بعض أفراد عائلتها.
من خلال جهود التعاون للسلطة الفلسطينية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وهيئة الامم المتحدة للمرأة، من خلال برنامج حياة المشترك، تمكنت نساء مثل زينة من تحقيق الاستقلالية والتخلص من دائرة العنف واستعادة كرامتهن وحقوقهن. يقوم مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة مع شركائه، بدور أساسي في دعم مقدمي الخدمات للاستجابة بفعالية للناجيات من العنف. ويشمل ذلك تقديم الإرشاد حول التعامل مع حالات الصدمة النفسية وضمان تلقي الناجيات الدعم الشامل. من خلال التعاون الوثيق مع مقدمي الخدمات، يعزز مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي ويعمل نحو تحسين اوضاع الناجيات.
“من خلال شركائنا الوطنيين، يكرس برنامج حياة جهوده لتمكين ودعم النساء الناجيات من العنف من خلال تقديم مجموعة شاملة من الخدمات الأساسية، بما في ذلك خدمات الدعم النفسي والاجتماعي،" تقول مديرة برنامج حياة المشترك حزام طهبوب. "كفريق عمل، نسعى جاهدين للتأكد من عدم ترك أي ناجية وراءنا، وتشجيعهن على الوصول السريع إلى الدعم الضروري للتشافي والاستمرار".
حتى يومنا الحالي، تمكن صندوق الأمم المتحدة للسكان، بالتعاون مع الشركاء ومن خلال برنامج حياة، من المساهمة في زيادة الوعي لآلاف النساء حول الخدمات المتوفرة لدعم الناجيات من العنف. تشمل هذه الخدمات الحماية والمساعدة القانونية والرعاية الصحية والدعم النفسي والاجتماعي، التي تُقدم من خلال مبادرات توعية، وبرامج تمكين، وتبادل قصص النجاح من قبل الناجيات. بالإضافة إلى ذلك، تعطي هيئة الامم المتحدة للمرأة، أولوية لحماية المرأة في فلسطين من خلال تقديم الدعم النفسي والاجتماعي الفردي والجماعي. يتم تقديم هذه الخدمات من خلال عيادات متنقلة ومن خلال خدمات بيوت الامان، حيث يتم تقييم احتياجات النساء بعناية وتقديم الدعم اللازم لهن.
الاستثمار في خدمات الدعم الشاملة المصممة لتلبية احتياجات الناجيات بشكل مهني يمكن أن يمنحهن القوة للتخلص من دوائر العنف. تعتقد زينة أن العديد من الناجيات من العنف يتجنبن طلب المساعدة بسبب مخاوف من التنمر الاجتماعي وعدم الحصول على العدالة، لكنها تقول إن ذلك يمكن أن يساعد في تغيير حياتهن. تقول زينة: "شكراً لكل من ساعدني، أنا بخير الآن وأركز على إكمال دراستي الجامعية."
قصة زينة، إلى جانب العديد من قصص الأخريات، مثال حي يؤكد على التأثير الإيجابي للدعم النفسي والاجتماعي في مساعدة الناجيات على استعادة حقوقهن، وإعادة بناء حياتهن ومستقبلهن بشكل أكثر إشراقًا.
*زينة هو اسم مستعار يستخدم للحفاظ على الخصوصية والسرية
بتمويل من حكومة كندا وتنفيذ مشترك من قبل هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وبرنامج موئل الأمم المتحدة ، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، يسعى برنامج حياة المشترك إلى القضاء على العنف ضد النساء والفتيات من خلال مختلف أنشطة التوعية والوصول المجتمعي، لزيادة وصول الناجيات من العنف إلى الخدمات الضرورية، وكذلك لتعزيز القدرة المؤسسية للمسؤولين الحكوميين لتطوير وتنفيذ الأطر القانونية والسياساتية التي تعزز وتحمي حقوق النساء والفتيات في العيش في مأمن من العنف.