المستشفيات تصبح ساحات للمعارك والنظام الصحي في غزة يُدفع إلى نقطة الانهيار
كارثة في مجال حقوق الإنسان لا تزال مستمرة في غزة أمام أعين العالم.
عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا لبحث "الاعتداءات الإسرائيلية على المنشآت الصحية في قطاع غزة". استمع المجلس خلاله إلى إفادات من مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وممثل منظمة الصحة العالمية في الضفة الغربية وغزة. فولكر تورك مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بدأ كلمته بالقول إن كارثة في مجال حقوق الإنسان لا تزال مستمرة في غزة أمام أعين العالم. وأضاف أن أساليب إسرائيل في الحرب أدت إلى مقتل عشرات آلاف الأشخاص وتشريد واسع النطاق ودمار، مما يثير مخاوف كبرى بشأن الامتثال للقانون الدولي.
وعبر دائرة اتصال بالفيديو، أشار تورك إلى تقرير حديث أصدره مكتبه يغطي الفترة من 7 أكتوبر 2023 حتى 30 يونيو 2024، وثـّق نهجا من الهجمات على المستشفيات بدءا بالغارات الجوية الإسرائيلية التي تعقبها اقتحامات من قوات برية واحتجاز بعض المرضى والموظفين بما يترك المستشفيات غير قادرة على العمل.
وأشار أيضا إلى أن حماس وغيرها من الجماعات المسلحة تواصل شن هجمات متفرقة وعشوائية على إسرائيل وأن التقارير تفيد بتعريضها المدنيين والبنية التحتية المدنية - بما فيها المرافق الصحية - للهجمات بالعمل بينهم وأكد أن ذلك أمر غير مقبول على الإطلاق.
وقال فولكر تورك إن حماية المستشفيات أثناء الحروب تحظى بأهمية قصوى ويجب أن تُحترم من قبل كل الأطراف في كل الأوقات.
وتطرق المسؤول الأممي إلى الدمار الذي ألحقته هجمات الجيش الإسرائيلي الجمعة الماضية بمستشفى كمال عدوان، آخر المستشفيات العاملة في شمال غزة. وقال إن ذلك يعكس نهج الهجمات التي يوثقها تقرير مكتبه. وأشار إلى إجبار بعض الموظفين والمرضى على الخروج من المستشفى، بينما اُحتجز آخرون منهم المدير العام للمستشفى في ظل تقارير كثيرة عن التعذيب وإساءة المعاملة.
جريمة حرب وجرائم ضد الإنسانية
وشدد مسؤول حقوق الإنسان على ضرورة أن تُميز العمليات العسكرية دائما بين الأهداف العسكرية والمدنيين، والالتزام بالمبادئ الأساسية للتمييز بين الأهداف، والتناسب، واتخاذ الحيطة أثناء شن الهجمات.
وقال: "إن الفشل في احترام تلك المبادئ يعد انتهاكا للقانون الدولي الإنساني. إن شن الهجمات بشكل متعمد على المستشفيات والأماكن التي يُعالج بها المرضى والجرحى - بالنظر إلى أنهم ليسوا أهدافا عسكرية - جريمة حرب. وتحت ظروف معينة فإن التدمير المتعمد لمنشآت الرعاية الصحية قد يصل إلى أن يكون شكلا من أشكال العقاب الجماعي الذي يعد أيضا جريمة حرب".
وأضاف مفوض حقوق الإنسان أن ارتكاب تلك الأعمال كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي على سكان مدنيين، قد يصل أيضا إلى درجة الجرائم ضد الإنسانية.
وذكر تورك أن إسرائيل في معظم الحالات تدعي أن المستشفيات تستخدم لأغراض عسكرية من الجماعات المسلحة الفلسطينية. وقال إنه تلقى للتو رسالة من السفير الإسرائيلي يؤكد فيها أن مستشفى كمال عدوان كان يستخدم لأغراض عسكرية من حماس وأن القوات الإسرائيلية اتخذت تدابير فائقة لحماية حياة المدنيين فيما كانت تنفذ عملياتها بناء على معلومات استخباراتية موثوق بها.
ولكنه قال إن إسرائيل لم تقدم معلومات كافية لإثبات الكثير من تلك الادعاءات، التي غالبا ما تكون غامضة وواسعة النطاق، وفي بعض الحالات يبدو أنها تتناقض مع المعلومات المعلنة. وأضاف: "إذا تم التحقق من تلك الادعاءات فإنها ستثير مخاوف جادة بشأن استخدام جماعات مسلحة فلسطينية وجود المدنيين بشكل متعمد لحماية نفسها من الهجمات، بما يصل أيضا إلى جريمة الحرب".
وقال إنه - لهذه الأسباب - يدعو إلى إجراء تحقيقات مستقلة وشاملة وشفافة في جميع الهجمات الإسرائيلية على المستشفيات والبنية الأساسية للرعاية الصحية والعاملين في المجال الصحي بالإضافة إلى الادعاءات بإساءة استخدام تلك المنشآت.
مقتل وإصابة 7% من السكان
الدكتور ريك بيبركورن ممثل منظمة الصحة العالمية في الأرض الفلسطينية المحتلة لخص الوضع في غزة بالقول إن نحو 7% من سكان القطاع قُتلوا أو أصيبوا بجراح منذ أكتوبر 2023. وأضاف أن أكثر من 25% من المصابين المقدر عددهم بـ 105 آلاف، يعانون من جراح غيرت حياتهم ستتطلب جهودا مكثفة لإعادة التأهيل ومساعدات طبية تكنولوجية مدى الحياة.
وقال - عبر دائرة اتصال بالفيديو - إن المستشفيات، مرارا وتكرارا تصبح ساحات للمعارك بما يجعلها غير قادرة على تقديم خدماتها ويحرم المحتاجين من الرعاية المنقذة للحياة. وأضاف أن القطاع الصحي في غزة يُفكك بشكل منهجي ويُدفع إلى نقطة الانهيار في ظل الشح الحاد في الإمدادات الطبية والمعدات والمتخصصين.
وأشار إلى أن 16 مستشفى فقط من بين مستشفيات غزة الستة والثلاثين، لا تزال تعمل بشكل جزئي، بقدرة سريرية تبلغ 1822 فقط، بما يقل بكثير عن احتياجات التعامل مع الأزمة الصحية الهائلة في القطاع.
المسؤول الأممي تحدث أيضا عن بطء عمليات الإجلاء الطبي، وقال إن أكثر من 12 ألف شخص بحاجة إلى نقلهم خارج غزة لتلقي العلاج. وأشار إلى أن استمرار الوتيرة البطيئة الحالية يعني أن إجلاءهم - بمن فيهم آلاف الأطفال - سيستغرق من 5 إلى 10 سنوات.
ورغم التحديات، قال بيبركورن إن منظمة الصحة العالمة وشركاءها يفعلون كل ما يمكن لتمكين المستشفيات والخدمات الصحية من مواصلة العمل. ولكنه تطرق إلى العراقيل والقيود أمام إدخال الإمدادات إلى غزة وبأنحاء القطاع.
وقال إن 40% فقط من مهمات منظمة الصحة العالمية خلال عام 2024 في غزة قد تم تيسير تنفيذها، بما أثر بشكل مباشر على قدرة المنظمة على توفير الإمدادات للمستشفيات ونقل المرضى من الحالات الحرجة ونشر فرق الطوارئ الطبية.
رغم التحديات، النظام الصحي لم ينهار
ويستمر تدهور الوضع الصحي والإنساني في شمال غزة المحاصر منذ نحو 90 يوما، وفق ما ذكره الدكتور بيبركورن. وأفاد بأن مستشفى العودة فقط لا يزال يعمل بالحد الأدنى مع عدم وجود مرافق للرعاية الطبية الأولية في المنطقة.
وقال إن مستشفى كمال عدوان، المستشفى الرئيسي في شمال غزة، توقف عن العمل بعد مداهمة الأسبوع الماضي والهجمات المتواصلة منذ أكتوبر 2024. وأعرب عن قلق منظمة الصحة العالمية بشأن مدير المستشفى الدكتور حسام أبو صفية الذي ألقي القبض عليه أثناء المداهمة، ودعا إلى إطلاق سراحه على الفور.
كما دعا إلى السماح بالوصول العاجل إلى المستشفى لتقييم الأضرار وتحديد ما إذا كان من الممكن إصلاحها، وحث على تيسير نقل المعدات الطبية من كمال عدوان إلى مستشفى العودة والمستشفيات الأخرى في مدينة غزة.
ورغم التحديات الهائلة، قال بيبركورن إن النظام الصحي في غزة لم ينهار وإن كان قد تأثر بشدة. وأضاف: "رغم كل الصعاب، العاملون في المجال الصحي ومنظمة الصحة العالمية وشركاؤها حافظوا على استمرارية الخدمات بقدر الإمكان".
وقال إن استعادة العمل بمستشفى الشفاء ومجمع ناصر الطبي - بعد تدميرهما - مثال بارز على صمود النظام الطبي في غزة والتفاني الملهم للعاملين به بدعم من منظمة الصحة العالمية وشركائها.
وذكـّر بوضع الحماية الخاص الذي تتمتع به المستشفيات تحت القانون الدولي الإنساني بسبب عملها المنقذ للحياة. وجدد دعوات منظمة الصحة العالمية لضمان دعم مستشفيات شمال غزة لتستأنف عملها، وتعجيل وتيرة الإجلاء الطبي، والسماح بالوصول المستمر للمستشفيات وزيادة تدفق المساعدات إلى غزة وبأنحائها، والوقف العاجل والدائم لإطلاق النار.