بعد أسبوع من بداية العام الجديد: لا بوادر لتراجع العنف في الأرض الفلسطينية المحتلة
٠٩ يناير ٢٠٢٥
استمر نمط العنف والنزوح والمعاناة الإنسانية التي شهدتها الأشهر الخمسة عشر الماضية خلال العام الجديد في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة.
كابوس متواصل في غزة
شهدت غزة على مدار خمسة عشر شهراً هجمات إسرائيلية مستمرة أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ونزوح الغالبية العظمى من السكان (غالباً عدة مرات)، وتدمير البنية التحتية المدنية، وانهيار النظام العام والأمن. لم يسلم أحد، حيث طالت عمليات القتل عشرات من المستجيبين الأوائل، والعاملين في القطاع الصحي، والصحفيين، وضباط الشرطة المحليين، وموظفي الأمم المتحدة. لا مكان آمن، حيث يستمر القصف في تدمير المنازل والملاجئ والمستشفيات والمدارس وأماكن العبادة.
لم تختلف الأيام الأولى من العام الجديد. فقد أفادت التقارير أن الغارات الجوية الإسرائيلية والقصف المدفعي وإطلاق النار أسفرت منذ الأول من كانون الثاني / يناير 2025 عن مقتل ما لا يقل عن 332 فلسطينياً في غزة، بينهم نساء وأطفال. ولا تزال القوات الإسرائيلية تصدر أوامر تهجير قسري، بما في ذلك في وسط غزة. كما كانت الغارات الجوية على مدينة غزة ووسط غزة قاسية بشكل خاص خلال الأسبوع الماضي، ما زاد من حالة انعدام الأمن والمخاطر التي تواجه الفلسطينيين الذين يتم تهجيرهم قسراً من شمال غزة ويبحثون عن مأوى في هذه المناطق.
في الوقت نفسه، تواصل إسرائيل عرقلة وصول الإغاثة الإنسانية إلى غزة. كما لا يزال انهيار النظام العام وانعدام الأمن، والذي يُعزى بشكل كبير إلى استهداف الجيش الإسرائيلي للشرطة المدنية، يعيق بشدة إيصال القليل المتوفر من المساعدات بشكل فعال إلى من هم في أمسّ الحاجة إليها في جميع أنحاء غزة.
وردت تقارير منذ الأول من كانون الثاني / يناير 2025، عن واقعتين على الأقل قتلت فيهما الغارات الجوية الإسرائيلية حراساً كانوا يؤمنون توزيع المساعدات. كما تعرضت قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة مكونة من 74 شاحنة لهجوم من قبل لصوص يوم السبت الماضي، حيث استولوا على 43 شاحنة منها. وفي يوم الأحد، أفادت تقارير أن غارة جوية إسرائيلية أصابت خيام للنازحين في المنطقة التي تسميها إسرائيل "المنطقة الإنسانية" في المواصي - خانيونس، أسفرت عن مقتل اثنين من قادة الشرطة المدنية، يعتقد أن أحدهما مسؤول عن ملف تأمين المساعدات.
تفاقم ظروف الشتاء القاسية معاناة الفلسطينيين في غزة دون ملاجئ مناسبة تقيهم البرد والأمطار. ووفقاً للتقارير مات طفل يبلغ من العمر 35 يوماً بسبب انخفاض حرارة جسمه يوم الإثنين، 6 كانون الثاني/ يناير، مما رفع العدد الإجمالي المبلغ عنه للفلسطينيين الذين لقوا حتفهم نتيجة البرد إلى ثمانية، معظمهم من الأطفال.
الضفة الغربية
يستمر تدهور وضع حقوق الإنسان في الضفة الغربية مع بداية العام الجديد، بما في ذلك التصاعد المستمر في العنف الذي أسفر حتى الآن عن مقتل 813 فلسطينيياً خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية بسبب عنف المستوطنين واستخدام القوات الإسرائيلية للقوة المميتة بشكل غير قانوني، بما يشمل نمطاً متزايداً لاستخدام أساليب ووسائل الحرب خارج إطار العمليات العدائية، واستخدام القوة المميتة ضد المارة الفلسطينيين العزّل، بما في ذلك الأطفال والنساء، الذين لا يشكلون أي تهديد على الحياة أو السلامة الجسدية، وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء للفلسطينيين "المطلوبين" من قبل إسرائيل.
بالإضافة الى ما سبق، يستمر التهجير القسري للفلسطينيين مع عمليات الهدم المستمرة والإخلاءات القسرية، وتوسع المستوطنات غير القانونية، وفرض قيود شديدة على حرية الحركة تؤدي فعلياً إلى تمزيق المجتمعات. كما يشهد الوضع قمعاً غير مسبوق لحريات التعبير والصحافة والرأي.
واصلت قوات الأمن الإسرائيلية منذ الأول من كانون الثاني / يناير2025، شنّ مداهمات يومية على التجمعات الفلسطينية أدت إلى مقتل تسعة فلسطينيين بحسب تقارير، بما يشمل أربعة أطفال منهم طفلين في الثامنة والعاشرة من العمر قتلتهم غارة جوية إسرائيلية في مدينة طمون اليوم، 8 كانون الثاني/يناير.
كما هاجم مستوطنون إسرائيليون يوم الجمعة الماضي عدة تجمعات فلسطينية في مختلف أرجاء الضفة الغربية المحتلة، وقاموا بالاعتداء على منازل ومركبات فلسطينية وإشعال النيران فيها، ما أسفر عن إصابة ما لا يقل عن عشرة فلسطينيين بجروح خطيرة، من بينهم رجل فلسطيني مسن.
وأفادت التقارير أن أفراداً فلسطينيين مسلحين فتحوا النار على مركبات إسرائيلية بالقرب من مستوطنة إسرائيلية يوم الإثنين، مما أسفر عن مقتل ثلاثة إسرائيليين، بينهم امرأتان تبلغ 70 و73 عاماً، وضابط شرطة خارج الخدمة يبلغ من العمر 35 عاماً، وإصابة ثمانية آخرين. وتتزايد التهديدات بالانتقام في وسائل الإعلام، بما في ذلك من قبل مسؤولين إسرائيليين كبار.
مخاوف بشأن سلوك قوات الأمن الفلسطينية
لا يزال سلوك قوات الأمن الفلسطينية أيضاً موضع قلق، حيث استمرت العملية في مخيم جنين للاجئين منذ 5 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وأسفرت حتى الآن عن مقتل ثمانية فلسطينيين، معظمهم عُزل، بالإضافة إلى مقتل ستة من ضباط الأمن الفلسطينيين. من بين الذين قُتلوا منذ بداية العام في جنين، أب وابنه البالغ من العمر 14 عاماً قُتلا معاً بالرصاص يوم الجمعة 3 كانون الثاني / يناير. وقد نفت قوات الأمن الفلسطينية مسؤوليتها عن الحادث.
يحدث هذا جنباً إلى جنب مع تصاعد حملة قمعية ضد حرية التعبير والصحافة في الضفة الغربية، تضمنت إغلاق السلطة الفلسطينية لبث قناة الجزيرة، وأوامر إدارية بحسب تقارير تحظر انتقاد السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى تقارير تشير إلى وقوع اعتقالات وتهديدات وسوء معاملة على خلفية ممارسة حرية التعبير.
نكرر دعواتنا لقوات الأمن الفلسطينية للعمل ضمن الحدود الصارمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، ونحث على إجراء تحقيقات شفافة وشاملة وفعّالة في جميع حالات القتل التي ارتكبتها قوات الأمن الفلسطينية.
يجب وضع حد لانتهاكات القانون الدولي
من غير المقبول السماح للانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي استمرت بلا عقاب على مدار الخمسة عشر شهراً الماضية في الأرض الفلسطينية المحتلة أن تتواصل لعام آخر. تقع هذه المسؤولية على عاتق المجتمع الدولي بأسره، وخاصة الدول التي تمتلك نفوذاً ووسائل ضغط يمكن ممارستها لحماية المدنيين من التعرض للمزيد من المعاناة ولضمان المساءلة.
يدعو مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مرة أخرى إسرائيل إلى احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك، بصفتها القوة المحتلة، ضمان حماية المدنيين الفلسطينيين وتأمين وصولهم غير المقيد وبكرامة إلى الخدمات الأساسية والاحتياجات الضرورية.
كما يدعو مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى الإفراج عن جميع المحتجزين تعسفياً في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة، وكذلك عن الرهائن الذي يستمر احتجازهم في غزة. كما نذكّر إسرائيل بالتزامها بإنهاء وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة وفقاً لمحكمة العدل الدولية، ووقف جميع انتهاكات القانون الدولي بما في ذلك الممارسات التي قد تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.